
إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا
نص خطبى الجمعة بمعهد اللؤلؤ والمرجان
:بعنوان
“إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا“
وكتبه: ريزال يوليار بوتراناندا
.الحمد لله، الحمد لله الذي أخرجنا من الظلمات والنور
.نحمده ونستعينه ونستغفره في النهار والليل والبكور
.أحمد ربي سبحانه وأشكره، أورثنا بالإيمان السعادةَ والسرور
.”وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل “وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور
.وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله حث على الطاعة والإحسان والعمل المبرور
.صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً دائمة إلى يوم البعث والنشور، أما بعد
.أيها المسلمون، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، فهي سبيل نجاة العبد في دنياه وأخراه
.قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
.عباد الله، يقول الله عز وجل {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}
آية قرآنية جليلة عظيمة تُطيِّب نفوس المؤمنين وتبشرهم وتُؤْنِسُهُم، ولم يَطْرُقِ الآذانَ قولٌ أطيبُ ولا ألذُّ ولا أزكى ولا أحلى من هذا الوعد الكريم قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}
والمؤمن يصدِّق وعد الله ويثق في وعده وعَدْلِه وهو على يقين بفضله. هذه الآية تُحَفِّز المسلمَ للنظر في جميع أعماله
فالإسلام يريد أحسن العمل وأجوده، فمن بذل جهده واستفرغ طاقته واستحضر الإخلاص وأتقن العمل ليبلغ الإحسان فله عند ربه مرتبةٌ سنِيَّة ومنزلةٌ علِيَّة ويكرمه ربه بمحبته ومعيَّته ورحمته
لقد جاء الإسلام بمنهجٍ ربانيٍّ لا مثيل له، وهديٍ نبويّ لا نظير له، يمثّل المعنى الإيماني العميق الذي يربي الإنسان على زرع الإحسان فَيَغْرِس الإيمان بيّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” رواه البخاري
وعلّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإحسان يشمَلُ شؤونَنا كلَّها الدِّينِيَّةَ والدنيوية فقال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء” رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم:” إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” رواه الطبراني
اُعْبُدِ الله كأنك تراه في الصيام، والقيام، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن وسائر أعمال البر، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أي فإن لم تعبد الله على هذا الوصف فاعبده على سبيل المراقبه والخوف
هذا المعنى عبادَ الله إذا رسخ في النفوس وَوَعَتْهُ القلوب، ظهر أثره في السلوك وحمل العبدَ على إتقان العمل وإحكامِه وصلُحت به أحوال البلاد والعباد بإذن رب العباد صبحانه وتعالى
ذلك أنه يحقِّق الإخلاص ويُحْيِيْ مراقبة الله في كل شؤون حياة المسلم في العبادات والمعاملات والعلاقات
“أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” يوقظ هذا المعنى ضميرَ الطالب والمعلم والطبيب والمهندس والعامل والموظف والمسؤول ويدفعه لتحقيق أعلى درجات الإحسان والإتقان وجودة العمل
لأن الجميع حينئذ يستشعر أن عمله محل نظر الله تعالى وهذا يورث التجرُّد من النفاق والريا والسمعة والعجب لينصرفَ إلى مراقبة الله وحده الواحد الأحد. قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (إنَّ المؤمن جمع إحسانًا وشفقةً، وإنَّ المنافق جمع إِسَاءةً وأَمْنًا)
إذا رافق الإحسانُ المسلمَ في عبادته وصلاته وعمله وذهابه ومجيئه وقيامه وقعوده وعلى جنبه واستحضَرَ مراقبة الله جل وعلا وأنه يراه حين يقوم وتقلبه في الساجدين صار مسلما صادقا أمينا مُحسِنا، مجتهدا في عمله متقِنا في صَنعته ومهنته ومسؤوليته، مباركا له في صحته وماله ووقته وأهله وعياله وعلمه وعمله، يحوطه حفظُ الله ورحمته ومحبته
كيف لا؟ وقد قال الله تعالى {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} وقال {وإن الله لمع المحسنين} وقال {إن رحمة الله قريب من المحسنين} وقال {واصبر فأن الله لا يضيع أجر المحسنين}
أيها المؤمنون، فلا تشُكُّوا في وعد الله وإحسانِه لمن أحسن عملاً وأتقن صُنعاً، وذلك ليرى العبدُ المحسن المتقِن في عمله أجراً كبيرا؛ مِن وعظيم الجزاء وموفور العطاء من رب الأرض والسماء
فكيف يَضِيْعُ إحسانُ صاحب الإحسان وهو يسمع كلامَ اللهِ الربِّ الكريمِ العظيمِ يقول في محكم التنزيل: {هل جزاء الإحسن إلا الإحسان} وهو القائل {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} وهو القائل {إنا لا نُضيع أجر من أحسن عملا} وهو القائل {نصيب برحمتنا من نشاء ولا نُضيع أجر المحسنين}
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفغني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، وتقبل مني ومنكم العمل لهما فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور ذو الرحمة
الخطبة الثانية
.الحمد لله حمدا شاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ المحسنين
.وأشهد أن سيّدَنا ونبيَّنا محمدا عبده ورسوله المبعوثُ بالهدى والنور المبين
:صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
.فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فقد فاز المتقون
عباد الله، الإحسان في العمل هو إحسانٌ من نفسك لنفسك. نقل ابن تيمية عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَحْسَنْتُ إلَى أَحَدٍ وَمَا أَسَأْتُ إلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أَحْسَنْت إلَى نَفْسِي وَأَسَأْت إلَى نَفْسِي. قَالَ تَعَالَى: {إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ
فَعَلَى المسلم أن يعلم أن إحسانه وفاءٌ لنعم الله وشكرٌ له سبحانه وتعالى على ما منّ الله به عليه؛ قال تعالى {وَأَحْسِنْ كما أحسن الله إليك}
فمن وسّع اللهُ عليه رزقا أو مالا أو جاها أوعلما فإن عليه أن يشكر الله على ذلك بصرفه في الطرق التي شرعها ورضي بها. {إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}
ألا وصلوا عباد الله على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}
الدعاء